طوكيو ( وتعني العاصمة الشرقية) هي أكبر مدينة في الـيابان، تقع على الجهة الشرقية لأكبر الجزر الأربعة للبر الياباني -"هونشو"-، وعلى الضفة الغربية لـ"خليج طوكيو" وبالقرب من مصب نهر "سوميدا". عاصمة اليابان منذ 1868 م، هي اليوم المركز السياسي والاقتصادي والثقافي للبلاد.
تحتل المنطقة الحضرية لمدينة طوكيو مساحة 600 كلم²؛ تتشكل من 23 حياً ، ويبلغ عدد السكان فيها 12 مليون نسمة. إذا أخذنا في الحسبان التكتلات الحضرية المجاورة، فإن طوكيو تشكل أكبر تجمع حضري في العالم، يمتد النسيج العمراني فيها بدون انقطاع ليشغل مساحة قدرها 10,000 كلم²، ويضم أكثر من 30 مليون نسمة، يشمل العديد من المدن الصغيرة المتاخمة وثلاث مدن كبيرة: "يوكوهاما"، "كاواساكي" و"تشيبا"، وتقع كلها شرقي "طوكيو".
العصور القديمة
تم استيطان المكان الذي تحتله المدينة الحالية منذ "فترة جومون"، ثم أصبح من ضمن الأراض الملكية (التابعة للإمبراطور) أثناء فترتي "نارا" و"هييآن". سقطت المنطقة أثناء العصور الوسطى في أيدي المحاربين القادمين من السهول الشرقية المجاورة، أسس هؤلاء حكومة عسكرية في جنوبي "خليج طوكيو": في المكان المسمى "كاماكورا"، كان ذلك في نهاية القرن الـ12 م، ومنذ ذلك العهد أخذت المدينة اسمها الأول "إيدو" ومعناه "ميناء الخليج" (خليج طوكيو اليوم)
فترة التحولات
أصبحت المدينة عاصمة الـيابان منذ بداية القرن الـ17 م، وعرفت عصرا مزدهرا أثناء "فترة إيدو"، بلغ عدد سكانها المليون نسمة في القرن التالي (الـ18 م). بعد سقوط نظام الشوغونية، وأثناء فترة التحولات (راجع: "إستعراش مييجي") اضمحل دور المدينة، لصالح "كيوتو" (العاصمة الإمبراطورية). إلا أن البلاط قرر أخيرا أن ينقل عاصمته إلى "إيدو"، وتم إعادة تسميتها إلى "طوكيو' (ومعناها العاصمة الشرقية).
أخذت المدينة تتطور وأصبحت من كبرى المدن العالمية. أثناء بدايات "فترة مييجي" أخذت المدينة القديمة تتحول، فاحتضنت كبرى الشركات، وأولى الجامعات في البلاد كما عرفت أولى النشاطات الصناعات. تحول مظهر المدينة عام 1870 م، عندما أقيمت الإنارة العمومية (كانت تعمل بالغاز) في شوارعها، وتم تشييد المحطة المركزية، كانت القطارات تنطلق منها إلى مدينة "يوكوهاما" ومن ثمة إلى سائر أرجاء البلاد. بعد عشرية (10 سنوات) من الزمن بدأت خطوط الترام تغزو شوارع المدينة، كما شرع في تشييد مباني حكومية جديدة في حي "كاسوميغاسيكي" وأخرى لتحتضن مقرات الشركات الكبيرة في حي "مارونوأوشي"، أنجزت أغلب هذه المباني بالحجر ووفق المخططات الغربية، غيرت هذه التحويلات وجه مركز المدينة القديم، ثم أصبحت شوارعها تضاء بالإنارة الكهربائية.
الفترة الحديثة
مع حلول القرن الـ20 م، ازدادت "طوكيو" اتساعا: تكون حولها نسيج عمرني كثيف، واستغلت كل المساحات الشاغرة على امتداد الضفة الغربية لـ"خليج طوكيو"، ثم أخذت تبتلع أراض جديدة إلى الشمال والشرق. تعرضت المدينة للدمار مرات عدة: الحرائق والهزات الأرضية دمرت العديد من أحياءها، ثم أتى الزلزل الكبير لعام 1923 م على أكثر من نصف مباني المدينة. بعد عشريتين (20 سنة) تسببت حملات القصف الجوية أثناء الحرب العالمية الثانية في مقتل أزيد من 100.000 شخص وتدمير كامل النسيج العمرى على امتداد 100 كلم².
تمت عملية إعادة البناء بوتيرة سريعة: محاور طرق جديدة رسمت حول المدينة؛ وضع برنامج خاص لتشييد مباني مدنية وحكومية وإدارية، وانتهي العمل به عام 1964 م مع انطلاق دورة الألعاب الأولمبية (في "طوكيو").
لا تكاد ورش الأعمال في "طوكيو" تهدء، فبسبب الهزات التي تتعرض لها والتي تلحق أضرارا جسيمة بمبانيها، لا تعمر أكثر المباني لأكثر من جيل واحد من الزمن. بدأت البيوت الخشبية القديمة، والتي كان يتم إعادة بناءها كل 20 سنة تقريبا، في التلاشي، تاركة مكانها لمباني حديثة، أنجزت لتحمل الزلازل القوية. أخذت مباني جديدة ذات طراز معماري عصري تأخذ مكانها في الأحياء الحديثة، تتحدى هذه المباني بعلوها الشاهق الأخطار الطبيعية والزلازل، و يعترض بعض سكان المدينة عليها لأنها تحجب عنهم رؤية "جبل فوجي" المقدس.
العمران
لا تنفك مدينة طوكيو تتجدد، وتكاد الأشغال فيها لا تنتهي. لم يتبن المسؤولون فيها أيا من المخططات العمرانية، لذا يبدو نسيجها العمراني متنوعا، وتظهر المدينة أكثر كتجمع لقرى صغيرة تحافظ كل منها على خاصيتها الفريدة، منها كمدينة عملاقة حديثة. تعد الشوارع الكبرى والتي اختطت في سنوات 1950-1960 م والمباني الحديثة واجهة المدينة الرئيسية، كما هي الأحياء القديمة والمباني الصغيرة المؤلفة من طابق أو طابقين والمعابد والمزارات والأبنية الخشبية المنتشرة عبرها. تقدم المدينة لزائريها منظرا مشكلا وغير متناسق في الأغلب، تتعايش فيه مختلف الطرز المعمارية ومواد وأساليب البناء المنتوعة. عكس مايعتقده البعض، المنتزهات والمساحات الخضراء في "طوكيو" كبيرة وواسعة، سواء في وسط المدينة أو على ضفاف نهر "سوميدا".
قلب المدينة
يقع القصر الإمبرطوري كانت تشغله مدينة "إيدو" القديمة، وتعتبر هذه المنطقة قلب المدينة التاريخي. تكثر فيها المساحات الخضراء ويرتفع مقر إقامة العائلة الإمبراطورية في وسطها، ويحضر على العامة زيارة المكان. إلى جهتي الجنوب والغرب يقع حي "كاسوميغاسيكي"، وتتجمع فيه أغلب الهيئات الحكومية الرسمية: البرلمان، مقر إقامة رئيس الوزراء، والوزراء والمحكمة العليا.
إلى الشرق من القصر الإمبراطوري يقع حي "مارونوأوتشي"، أحد أهم مراكز الأعمال في المدينة -والبلاد-، تتواجد فيه مقرات العديد من المؤسسات البنكية الكبرى. يليه إلى ناحية الشرق، حي "جينزا" الشهير، قديما كان هذا الحي مكانا لتجمع تجار الجملة القادمين من "أوساكا"، وأصبح اليوم مكان التسوق المفضل لأهالي المدينة، تنتشر فيه المحلات التجارية الكبرى، المطاعم، دور السينما والمسارح، ويتم منع مرور المركبات فيه يوم الأحد لتقتصر حركة السير في شوارعه على الراجلين فقط.
بعد "جينزا" وإلى الشمال والشرق وعلى امتدا نهر "سوميدا"، تمتد أحياء المدينة القديمة (القصبة)، يقع فيها حي "أساكوسا" الشعبي، والذي يشتهر بشوارعه الضيقة والمتعرجة وتنتشر عبرها دكاكين الحرفيين، تنشط في هذا الحي تجارة المصنوعات لتقليدية، كما يقع فيه معبد "سينسو" (أو: "سينسو جي")، والذي كرس لشخصية "كاننون"، آلهة الرحمة في الديانة البوذية (حسب التقليد الياباني).
الأحياء الحديثة
تم بناء الأحياء الحديثة حول المركز التاريخي للمدينة، تتشكل أغلبها من مجمعات سكنية وتجارية، وتكون معا أقطابا لطوق خط السكك الحديدية ("سامادا سان") المحيط بمركز المدينة:
"أكيهابارا": تتجمع في هذا الحي المئات من متاجر المعدات الكهربائية والإلكترونية،
"أوينو": من الأحياء السكنية والجامعية، يقع في وسطه متنزه واسع، تتواجد فيه كبرى المتاحف في طوكيو،
"إيكيبوكورو": حي سكني، يتواجد فيه أكبر مجمع تجاري في العالم،
"شينجوكو": أحد المراكز الحضرية الجديدة، تتواجد فيه العديد من ناطحات السحاب، ومراكز كبرى الشركات، المحلات الكبيرة، الفنادق والمطاعم، ولا يكاد المرء يفرق بين ليلها ونهارها، لحيوتها.
وأهم الأحياء الأخرى: "هاراجاكو"، "شيبويا" و"شيناغاوا". تتواجد بعد هذه الأحياء الضواحي ويتنوع نسيج العمران فيها.
المتاحف
تملك "طوكيو" العديد من المتاحف العمومية والخاصة. يحتضن متنزه "أوينو" العديد منها:
"متحف طوكيو الوطني" (Tokyo kokuritsu hakubutsukan): أكبر المتاحف في اليابان، يضمن تحفا من سائر العصور التاريخية، يقدر عدد معروضاته بـ80.000،
رواق "هوريوجي" للكنوز الفنية (Horyuji homotsukan): وتعرض فيه تحف نادرة تعود إلى القرنين الـ7 والـ8 للميلاد،
"متحف المدينة القديمة للتقاليد" (Shitamachi fuzoku shiryokan): وتم فيه إعادة بناء أحد الشوارع القديمة في حي "أساكوسا" التقليدي،
"المتحف الوطني للفنون الغربية" (Kokuritsu seiyo bijutsukan): يعرض أعمال بعض الفنانين الكبار من أمثال: "رونوار"، "مانيه"، "سيزان"، " أوجست رودان" وغيرهم.
كما يضم المتنزه "المتحف الوطني للعلوم" (Kokuritsu kagaku hakubutsukan): و"حديقة الحيوانات العمومية".
من بين المتاحف الكثير الأخرى المتواجدة في "طوكيو": "المتحف الوطني للفن الحديث" (Tokyo kokuritsu kindai bijutsukan)، متحف "هاتاكي-ياما" (Hatakeyama kinenkan)، ويعرض لوحات فنية، خزفيات ومقتنيات متنوعة مخصصة لـ"طقوس تقديم الشاي"، "متحف الحرف الشعبية" (Nippon mingeikan)، ويعرض مجموعة من اللوازم اليومية تعود إلى "فترة إيدو" موضوعة داخل بيت بني على الطراز التقليدي، "متحف أوتا" (Ota kinen bijutsukan)، المخصص للرشم (الطباعة بحروف بارزة) وأخيرا متحف الـ"سومو" (Sumo hakubutsukan).