استقبال شهر رمضان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد...
فإن ربنا عز وجل خلق هذا الكون بقدرته فقدره تقديرا ونظمه تنظيما محكما وجعل فيه الإنسان وكرمه على بقية خلقه فقال عز من قائل: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء : 70]" وفضل بعض الناس على بعض فكان أفضل الناس هم الأنبياء والرسل الذين اختصهم الله بهذا الفضل كما فضل بعض الأنبياء والرسل على بعض فقال: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة : 253]" ولو بحثنا عن أفضل نبى لوجدناه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم. كما خلق الله المكان وفضل بعض الأماكن على بعض فكان أفضل مكان على الإطلاق هو المسجد الحرام بمكة المكرمة يقول تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ [آل عمران : 96] فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران : 97]" كما خلق الله الزمان وفضل بعض الأزمان على بعض فكان أفضل الأزمان شهر مبارك عظيم يأتى كل عام بخيراته ونفحاته وبركاته، هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار إنه شهر رمضان المعظم الذى جعل الله فيه ليلة هى خير من ألف شهر خصها الله بنزول القرآن – أعظم كتاب – فيها من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليكون ضياء ونبراسا للعالمين يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة : 185]". وهاهى الأيام تمضى والسنة تمر ويعود علينا هذا الشهر الفضيل بنسماته العطرة ويحل علينا ضيفا عزيزا كريما. ولكن ما هى الطريقة المثلى لاستقبال هذا الضيف الجليل؟ يختلف الناس فى هذه النقطة فمنهم من يستقبله استقبال الناس العاديين الذين يتعاملون معه على أنه شهر أكل وشرب وإسراف وولائم وعزائم ومنهم من يستقبله على أنه شهر حفلات وتسالٍ ليلية فيقيم السرادقات الغنائية ومنهم من يستقبله على أنه شهر مسلسلات وبرامج تليفزيونية ولكن هناك فئة تستقبله استقبال العقلاء من الناس، فالعقلاء من الناس يستقبلون شهر رمضان بما يليق به حقا إنهم يستقبلونه بالإكثار من ذكر الله عز وجل ليلا ونهارا فإن ذكر لله تعالى هو طب القلوب ودواؤها وسبب اطمئنانها "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد : 28]" ولكن ليس معنى ذكر الله ترك الأعمال والتفرغ للذكر اللسانى وذلك أن من ذكر الله تعالى تنفيذ أوامره وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم الذى قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". العقلاء من الناس يستقبلون شهر رمضان بالإكثار من تلاوة القرآن مع تدبر معانيه فقد بشر النبى صلى الله عليه وسلم من يقرأ القرآن بخير عميم، بشره بالحسنات المضاعفة فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" بشره بمرافقة الأبرار من عباد الله ومن الملائكة فقال صلى الله عليه وسلم: " الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" بشره بشفاعة القرآن له يوم القيامة فقال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه". العقلاء من الناس يتقبلون شهر رمضان بالإكثار من الطاعات والعبادات والعمل الصالح فالعمل الصالح وإن كان مطلوبا فى غير رمضان كذلك إلا أنه فى رمضان آكد وأطلب فالنبى صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل العملى فى ذلك فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم "كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه جبريل فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة". العقلاء من الناس يستقبلون شهر رمضان بتحسين أخلاقهم مع الناس ولقاء إخوانهم بالبشاشة والابتسام لا بالقول الفاحش واللسان السليط البذىء فالصيام مدعاة لتحسين الأخلاق ومحاربة الأهواء والشهوات والشيطان فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه ) رواه البخارى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته